لعل تلك المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة متجهة إلى ديترويت عشية عيد الميلاد نبهت الجميع إلى الخطر الذي تمثله الخلايا الإرهابية في اليمن. فهذا البلد الذي يقع في الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، يحتاج إلى دعم دولي عاجل، لأن خطر وجود دولة فاشلة على حدود السعودية -أكبر منتج للنفط في العالم- ستكون له تداعيات هائلة على الاقتصاد العالمي، وعلى الحرب ضد الإرهاب طبعاً. وقد ذكرنا المؤتمر الذي عقد حول اليمن في لندن الأسبوع الماضي بالآية القرآنية الكريمة: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، والتي تلخص معانيها ومقاصدها إلى حد كبير لما نسميه نحن في الغرب "بناء الأمم". وفي الوقت الذي يخشى فيه الجميع من انزلاق اليمن نحو مخاطر وتحديات وضعية الدولة الفاشلة بسبب مزيج من عدم فاعلية الأداء الحكومي، والدعم الخارجي المشتبه به للانفصاليين الحوثيين، والجهود غير المقيدة التي يقوم بها تنظيم "القاعدة" في مجالي الاستقطاب والتجنيد، هذا زيادة على وجود مخاطر حركة انفصالية في الجنوب، وفوق هذا وذاك تفشي نسبة البطالة في صفوف الشباب التي وصلت إلى 35 في المئة، فإن الولايات المتحدة ينبغي أن تنظر في مسألة المطالبة بتقديم رؤيته لبناء الأمم لمساعدة اليمن على تجاوز حزمة التحديات والمخاطر الماثلة. ويتعين على واشنطن أن تتجنب -وهي تسعى لاحتواء التهديد الأمني- تكرار الأخطاء التي وقعت فيها إدارة بوش في أفغانستان والعراق، عندما ركزت على حل المشكلات الأمنية المباشرة دون معالجة السياق الأكبر للتهديد الإرهابي مما عرضها لمشكلات خطيرة. والمسار السليم في اليمن الآن هو العمل من أجل بناء حكومة رشيدة، وتحقيق النمو الاقتصادي، وفي رأيي أن الشخصية الأمثل لدعم هذا الجهد الاستراتيجي هو الملك عبدالله بن عبد العزيز . ولذلك إذا ما أراد أوباما تجنب أفغنة اليمن، فعليه التواصل مع اليمن وبقية دول الجوار التي تستطيع دعم جهود الحكومة اليمنية لترسيخ جهود التنمية والاستقرار. وهذه الشراكة يمكن أن تجلب الاستقرار لليمن على مستويات عدة يمكن تلخيصها على النحو التالي: أولا، يمكن ضرب استراتيجية "القاعدة" في الاستقطاب والتجنيد، من خلال برنامج تأهيلي مستمر، مموّل جيداً، وتحت إشراف متعدد الأطراف لإعادة تأهيل الأصوليين والمتطرفين. ويشار في هذا السياق إلى أن البرنامج السعودي في تأهيل المتشددين قد حقق نجاحاً لابأس به، ويمكن بالتالي استنساخه أو الاستفادة منه في اليمن. ثانياً، ينبغي أن نكون دائماً متقدمين بخطوة على جهود "القاعدة" في تجنيد الإرهابيين، وذلك من خلال السعي دوماً لتشغيل الشبان اليمنيين الذين يعانون من البطالة -وهي استراتيجية تؤكد التجربة السعودية على أنها قادرة على احتواء التطرف- والعمل على بناء مرافق رياضية ملحقة بمراكز التأهيل التي ينبغي إقامتها في مختلف أنحاء اليمن بجهود متعددة الأطراف. ثالثاً، يتعين أن نعترف بأن تنمية اليمن اقتصادياً تعتبر واحدة من أكثر الطرق فعالية لتقويض مخاطر "القاعدة" في الجزيرة العربية. وباعتباره قارئاً جيداً، للتاريخ فإن العاهل السعودي يشير إلى خطة مارشال التي طُبقت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي ساهمت في إعادة بناء أوروبا بعد أن دمرتها الحرب، كنموذج لما هو مطلوب لتحقيق استقرار اليمن. ودول المنطقة لديها من احتياطي الثروة ما يكفي -إذا ما أضيف إلى التمويل والتقنية الأميركية- لإحداث فارق كبير في اليمن. فمن المشكلات الملحة التي يعاني منها اليمن تقلص نصيبه من إمدادات الماء، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 46 في المئة فقط من سكان اليمن هم الذين لديهم القدرة على الحصول على كميات كافية من المياه أما باقي سكان البلاد فهم محرومون من ذلك بدرجات متفاوتة. وبناء مصانع تحلية، يمكن أن يحل هذه المشكلة، ويقود إلى تنمية اقتصادية. ويمكن أيضاً في هذا السياق تطوير صناعة السياحة على امتداد الساحل اليمني لخلق العديد من الوظائف وتوفير مصدر دخل منتظم للحكومة المركزية يعينها على التصدي للمشكلات العديدة التي تواجهها. رابعاً، على رغم أن إنتاج اليمن النفطي قد وصل إلى ذروته في عام 2001 ويتناقص الآن، فإن الغاز الطبيعي يتوافر بكميات كبيرة ويمكن أن يصبح مصدراً لتحقيق دخل كبير من خلال تصديره. ويمكن مساعدة الجانب اليمني في مجال التفاوض على عقود تصدير الغاز إلى بعض دول الجوار التي تعاني من نقص الغاز. وفي الأونة الأخيرة تعهدت هيلاري كلينتون بزيادة المساعدات الأميركية لليمن، التي تقدر في الوقت الراهن بـ121 مليون دولار على امتداد ثلاث سنوات. وفي الوقت نفسه تعهدت السعودية بتقديم 1.25 مليار دولار مساعدات لليمن. إن الشراكة الإقليمية والدولية لحماية اليمن من المخاطر والتحديات التي يواجهها من الداخل، ومن خطر التحول إلى ملاذ للإرهابيين، تعتمد إلى حد كبير على تعاون صنعاء نفسها. وهنا أيضاً، نجد أن قيادات المنطقة وليس باراك أوباما، هي التي تمسك بالمفتاح بسبب علاقاتها القوية مع صنعاء. وفي الحقيقة، أنه يتم النظر إلى الملك عبدالله بشكل عام على أنه رجل دولة إقليمي محنك لا يتردد في الحديث بصراحه لزملائه عند اللزوم. والرئيس علي عبدالله صالح يحتاج إلى حليف من هذا النوع أكثر من أي وقت مضى.. حليف يقول له الحقيقة، ويهمه مستقبل اليمن، ويرفق أقواله بالأفعال. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إس. روب. سبحاني رئيس ومؤسس شركة بحر قزوين لاستشارات الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"